الاثنين، 3 مايو 2010

زهد السيدة الزهراء روحي فداها

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِ على محمد وال محمد


زهد الزهراء روحي فداها



 منهج أهل البيت (ع) في الزهد و العبادة،هو منهج الاسلام،بصفائه و أصالته،كما بلغه رسول الله (ص) ،فليس الزهد و العبادة في منهجهم انقطاعا عن الحياة،أو فرارا من مسؤوليات الانسان الاجتماعية،بل الزهد و العبادة عندهم تعال على متع الحياة،و تسام على أوطارها الفانية.



و العبادة في منهجهم،صياغة الحياة و مل‏ء أبعادها وفق مشيئة الله،و صفاء العلاقة معه،و شدة الارتباط به سبحانه،لذلك نجد الزهراء،العابدة الزاهدة المتبتلة التي سميت البتول لكثرة عبادتها و تبتلها،نشاهد حياتها جهادا و عملا و كفاحا و زهدا و عبادة و تبتلا.


نشاهد الزهد في عظم شخصيتها،و تسامي نظراتها،و ترفعها عن الخضوع للذات الحياة و زخارف العيش و مغريات المتع،ففاطمة في بساطة بيتها و في خشونة عيشها و في تواضع حياتها،تمثل الزهد بأدق معانيه،و تحفظ و هي في مقامها الرفيع للمرأة المؤمنة طريق المسلمة الواعية،و تعرفها قيمة الحياة،و كيفية التعامل معها،و ليس بوسع حديثنا هذا أن نلم بكل مآثر فاطمة و مناقبها في هذا المجال،فالأمثلة كثيرة و الشواهد عديدة،بل و كل حياة فاطمة أمثال و شواهد،إلا أن في اختيار بعض مآثرها،و عرض نموذج من سلوكها الإيماني الزاهد،أثرا في نفس المقتدي،و درسا للمسلم المهتدي،و منهجا للمرأة المسلمة الناضجة.


من هذه المآثر:عن أسماء عن بنت عميس أنها قالت:


«كنت عند فاطمة إذ دخل عليها النبي (ص) و في عنقها قلادة من ذهب أتى بها علي بن أبي طالب (ع) من سهم صار إليه،فقال لها: (يا بنية!لا تغتري بقول الناس:فاطمة بنت محمد،و عليك لباس الجبابرة) ،فقطعتها لساعتها،و باعتها ليومها،و اشترت بالثمن رقبة مؤمنة،فأعتقتها،فبلغ ذلك رسول الله (ص) فسر بعتقها و بارك علي» (1) .


و عن ثوبان قال:


«قدم رسول الله (ص) من غزاة له،فأتى فاطمة،فإذا هو يمسح على بابها،و رأى على الحسن و الحسين (ع) قلبين من فضة،فرجع رسول الله (ص) ،فلما رأت فاطمة ذلك ظنت أنه لم يدخل عليها من أجل ما رأى،فهتكت الستر،و نزعت القلبين من الصبيين،فقطعتهما،فبكى الصبيان،فقسمته بينهما،فانطلقا إلى رسول الله (ص) و هما يبكيان،فأخذه رسول الله (ص) منهما فقال: (يا ثوبان!إذهب بهذا إلى بني فلانـأهل بيت في المدينةـفاشتر لفاطمة قلادة من عصب،و سوارين من عاج،فإن هؤلاء أهل بيتي،و لا أحب أن يذهبوا طيباتهم في حياتهم الدنيا) » (2) .


هذه صورة من مفهوم الزهد عند فاطمة،تعالى على الذهب و المال،و ترفع على الحلي،تعالى عليها و تحرر من زخرفها،و سلطانها،و حول كل ما فيها ليكون أداة و وسيلة لتحرير الانسان،و إنقاذ إنسانيته،لذلك باعت فاطمة القلادة،لتحرر العبد و تهب له الحرية،لتهب له الحياة،لتساهم في بناء المجتمع الاسلامي الحر،و لتكتب كلمة مضيئة في تأريخ الحرية تقرأها الأجيال و تعرفها المرأة من بعد فاطمة،و تعيها الاسر و الطبقات الحاكمة،فتقرأ أن المال و الثروة وجدت لخدمة الانسان،و لتحريره و صون كرامته،لا لاستعباده و مصادرة حريته.هكذا كان منهج أهل البيت (ع) في الحياة،و هكذا رسموا الطريق واضحا أمام الأجيال.


و هكذا ربي محمد (ص) ابنته فاطمة،لتكون مثلا حيا للمرأة المسلمة،و قدوة للفتاة المؤمنة،و نموذجا رساليا في دنيا الانسان.


و فاطمة الزاهدة،فاطمة المجاهدة،هي فاطمة العابدة المتبتلة،هي التي قال عنها ولدها السبط الحسن (ع) :


«رأيت أمي فاطمة (ع) قامت في محرابها ليلة جمعة،فلم تزل راكعة و ساجدة،حتى انفجر عمود الصبح،و سمعتها تدعو للمؤمنين و المؤمنات،و تسميهم،و تكثر الدعاء لهم،و لا تدعو لنفسها بشي‏ء،فقلت لها:يا اماه!لم لا تدعين لنفسك،كما تدعين لغيرك؟فقالت: (يا بني!الجار ثم الدار) » (3) .


و عن الحسن البصري:


«ما كانت امرأة في هذه الامة أعبد من فاطمة،كانت تقوم حتى تورم قدماها» (4) .


إنه خلق رسول الله (ص) ،الإيثار و حب الآخرين،و التجرد من الأنانية،و الدعاء بالرحمة و المغفرة،و حب الخير للغير،إنه القلب الكبير،الملي‏ء بالحب و العطف على هذه الانسانية،و الداعي لها بالنجاة و الهداية،فالدعوة بالخير لا تصدر إلا عن قلب نقي محب للخير،كقلب فاطمة،إنها معلمة و مربية،و مثل أعلى في عبادتها و زهدها،في سلوكها،و في بيتها،و علاقتها بابنيها و زوجها،و في وقوفها بين يدي ربها،و في عطفها على الانسانية،و حب الخير لها .


إن بوسعنا أن نعرض عن جميع هذه النعوت،فحسبنا أن نقول إن فاطمة امرأة«مسلمة»و كفى بهذه الهوية علو مقام،و رفعة درجة،و سمو منزلة عند الله تعالى.


فاطمة المحتسبة


و يبسط نور الرسالة إشعاعه في ربوع الجزيرة،و يكمل رسول الله (ص) دينه،و يبلغ رسالته،و يضع امته على المحجة الواضحة،و يثبت البناء الشامخ،رسالة و امة،و حضارة و دولة.


أكمل رسول الله (ص) مهمته على هذه الأرض و آن له أن يلتحق بربه،و يحيا حياة الخلد و النعيم،فيدنو منه نداء الأجل،و يمرض رسول الله (ص) و يشتد عليه مرضه،و فاطمة تنظر إليه فتشعر أنها هي حاملة الأم و المرض،و ينظر (ص) إليها فيراها و قد غالب عنه شخصه الكريم،و دمعة الحزن و الفراق عاجزة عن صهر أحزانها،فلم يمنعه مرضه من العطف عليها،و تخفيف الحزن و الألم عن نفسها،خصوصا و هو يعلم ما ستعانيه فاطمة بفقده،و افول ظله الكريم من حياتها .


جاءت فاطمة لتعود أباها،جاءته بخطى وئيدة حزينة حتى قربت منه فرحب بها و هش لها،ثم أجلسها إلى جنبه قائلا:«مرحبا بابنتي،ثم أعلمها بقرب أجله و رحيله،فبكت لذلك،ثم أخبرها أنها أول أهله لحاقا به فضحكت فرحا بذلك» (5) مما يدل على شدة تعلقها برسول الله (ص) إذ يختار الموت للقائه عن الحياة بدونه.


و تمر أيام المرض ثقيلة وئيدة،فيعايشها المسلمون بترقب و حذر،و تعايشها فاطمة بحزن و ألم،و يأذن الله لنبيه أن يلحق به و يمضي إلى عالمه العلوي،فيختاره تعالى إلى جواره و ينتقل إلى الرفيق الأعلى،فترزأ البشرية بنبيها،و تفقد الأرض كوكب الهداية و الرحمة،و تغلق بموته أبواب الخطاب الإلهي إلى الأبد عن هذه الأرض،و تشتد الرزية على فاطمة،و يعظم المصاب في نفسها،و تظل تعيش بعد أبيها في‏حزن و ألم،و هي ترقب ساعة اللحاق به،و العيش معه في جنات الخلد.


و لم تعش الزهراء طويلا بعد أبيها،و كما أخبرها (ص) أنها أول أهل بيته لحاقا به،فقد اختلف المؤرخون في المدة التي عاشتها فاطمة بعد أبيها،فذهب بعضهم إلى أنها عاشت خمسة و سبعين يوما،و ذهب آخرون إلى أنها عاشت ثلاثة أشهر،و قال غيرهم أنها عاشت ستة أشهر .


و لقد عاشت فاطمة هذه المدة الوجيزة صابرة محتسبة،قضتها بالعبادة و الانقطاع إلى الله سبحانه،كما ساهمت فيها مساهمة فعالة في شؤون الرسالة و الامة كقضية الخلافة و البيعة .


وقفت فاطمة إلى جانب الإمام علي (ع) ،و أحقيته بالخلافة بعد رسول الله (ص) ،و كانت تلتقي بالمهاجرين و الأنصار و تحاورهم في ذلك،و مرت عليها في تلك الأيام ظروف عصيبة أثرت في صحتها و سلامتها.إذ كانت ترى الحق يزوى عن موضعه و أن وصايا رسول الله (ص) في أهل بيته قد نسيت و انشغل الناس عنها،و خرجت فاطمة (ع) من تلك الأحداث منكسرة حزينة آيسة من الأوضاع،تحمل معها الهموم الثقال.


و قد وقع خلاف بين أبي بكر و فاطمة (ع) ،و بينها و بين عمر،حول فدك (6) *) التي‏هي نحلة أبيها التي كان (ص) قد نحلها إياها أيام حياته فجاءت تطالبه بها و بما أفاء الله على أبيها (ص) بالمدينة و بخمس خيبر،فرفض أبو بكر أن يعطيها شيئا،و رد شهادة علي و الحسنين،فطالبته بالميراث من أبيها،فقال لها:إن رسول الله قال:«لا نورث»ما تركناه صدقة،و قد دار بينها و بين أبي بكر حوار طويل كانت نتيجته أن أبا بكر لم يتراجع عن رأيه،و تمسكت فاطمة برأيها،و أكدت أن لها من ميراث أبيها ما لغيرها من المسلمين من مواريث آبائهم،و قد ورث النبي سليمان داود،كما نص القرآن على ذلك،قال تعالى: (و ورث سليمان داود) (7) ،كما أن زكريا يدعو الله تعالى أن يرزقه من يرثه،فرزقه يحيى: (يرثني و يرث من آل يعقوب و اجعله رب رضيا*يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى) (8) .


و لم تقبل تبرير أبي بكر بل قالت له:أفي كتاب الله أن ترث أباك و لا أرث أبي؟...إلى أن قالت:و زعمتم ألا حظوة لي،و لا إرث من أبي،لا رحم بيننا،أفخصكم الله بآية أخرج منها أبي؟أم هل تقولون أهل ملتين لا يتوارثان،و لست أنا و أبي من أهل ملة واحدة؟!أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي و ابن عمي؟...إلى آخر خطبتها العظيمة.


و قد ظلت ملكية فدك تتقاذفها السياسات،فلما حكم الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز،ردها على أولاد فاطمة من علي بن أبي طالب،فلما لامه أقاربه،ذكرهم بحديث رسول الرسول (ص) :«فاطمة بضعة مني،يسخطها ما يسخطني و يرضيني ما أرضاها» (9) .


فلما توفي،اغتصبها الحكام الأمويون مرة ثانية،و عند قيام الدولة العباسية،ردها أبو العباس السفاح إليهم،إلا أن أبا جعفر المنصور أخذها منهم،ثم أعادهاالخليفة المهدي إلى ولد فاطمة مرة اخرى،و أخذها منهم الخليفة موسى الهادي و هارون الرشيد،فلما جاء المأمون ردها على ولد فاطمة،و قد نشر كتابا على اناس في ذلك،و هو طويل،و مما جاء فيه:


«قد كان رسول الله (ص) قد أعطى فاطمة بنت رسول الله (ص) فدك،و تصدق بها عليها،و كان ذلك أمرا معروفا،لا اختلاف فيه بين آل رسول الله (ص) ...فلئن كان ينادى في كل موسمـبعد أن قبض الله نبيه (ص) ـأن يذكر كل من كانت له صدقة أو هبة أو عدة ذلك،فيقبل قوله و تنفذ عدته،إن فاطمة رضي الله عنها لأولى بأن يصدق قولها فيما جعل (ص) لها» (10) .


فلما صارت الخلافة للمتوكلـو هو أشد الناس بغضا لأهل البيت (ع) ،كما هو معروف تاريخياـسلبها منهم.


تعليقات:


1ـالطبري/ذخائر العقبى/ص 51،و أخرجه الإمام علي بن موسى الرضا (ع) ،الحاكم/المستدرك/ج 3/ص 152،و الصدوق في العيون.السهم:ما يوزع على المجاهدين من غنائم الحرب التي يغنمها المسلمون في الجهاد.رقبة مؤمنة:عبدا مملوكا مؤمنا.


2ـالمصدر السابق،و روى الصدوق نحوه في الأمالي،و أبو داود في سننه،و أحمد في مسنده.


و استندنا في استخراج هذه المصادر و غيرها من كتاب فضائل الخمسة في الصحاح الستة للسيد الفيروزآبادي،و كتاب نجمة البيان في تفضيل سيدة النسوان للسيد عبد الرسول الشريعتمداري الجهرمي،و عوالم العلوم و المعارف و الأحوال للبحراني و الاصفهاني و غيرها.قلبين:سوارين .


3ـالسيد عبدالرزاق كمونة الحسيني/النفحات القدسيد في الأنوار الفاطمية/الفصل 13/ص 45،الأربلي/كشف الغمة/ج 2/ص 94،الكاشاني/المحجة البيضاء/ج 4/ص .208


4ـالمجلسي/بحار الأنوار/ج 43/ص .84


5ـابن سعد/الطبقات الكبرى/ج 2/ص .47


6ـفدك:قرية زراعية من قرى الحجاز تقع بالقرب من خيبر،و قد صالح أهلها النبي على نصف حاصلها و هي ملك رسول الله (ص) فقد أفاء الله عليه بلا حرب و لا قتال. (و ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل و لا ركاب و لكن الله يسلط رسله على من يشاء و الله على كل شي‏ء قدير) (الحشر/6) .


فعن أبي سعيد الخدري قال:«لما نزلت: (و آت ذا القربى حقه) دعا رسول الله (ص) فاطمة (ع) فأعطاها فدكا».


و عن ابن عباس قال:«لما نزلت: (و آت ذا القربى حقه) أقطع رسول الله (ص) فاطمة (ع) فدكا» .راجع مجمع الزوائد للهيثمي/ج 7/ص 49،ميزان الإعتدال للذهبي/ج 2/ص 228،و كنز العمال/ج 2/ص 158،و أخرجه الحاكم في تاريخه و ابن النجار و غيرهم،نقلت هذه الفقرات عن فضائل الخمسة في الصحاح الستة للفيروزآبادي/ج 3/ص .136


7ـالنمل/ .16


8ـمريم/6، .7


9ـابن أبي الحديد/شرح نهج البلاغة/ج 4/ص .103


10ـالبلاذري/فتوح البلدان/ط بيروت/ص .46

هناك تعليق واحد:

  1. Review - The Most Expensive Casino Site in India
    Review of The Most Expensive Casino Site in India ⚽ With the best customer service in India ⚽ With the most casino site in India ⚽ With the most casino site in luckyclub.live

    ردحذف